دمشق مقابل كييف/ أسامة مصالحة
أسامة مصالحة
Print A+a- كييف مقابل دمشق؟
النسخة: الورقية - دولي الخميس، ٢٧ فبراير/ شباط ٢٠١٤ (٠٠:٠ - بتوقيت غرينتش)
تُعيد الأزمتان، الأوكرانية والسورية، أطروحات»الجغرافيا السياسية»، أو «الجيوبوليتيكا»، الى واجهة الأحداث. ففي الأزمات الكبرى، تحديداً، تتكشف «الجغرافيا السياسية» عن إغراء ما. فهي تخفي أكثر مما تبدي، وتصمت أكثر مما تقول. ذلك أن أطروحاتها كانت دائماً ما تُطبخ داخل دوائر اكاديمية وأمنية مغلقة يكتنفها الغموض وتلف بها الأسرار.
في هذه الأطروحات، تختلط الخرائط بسياسات الهوية بأنابيب النفط بتصورات خاصة عن القدر الحضاري. وفيها، على ما كان هالفورد ماكيندر يقول، يمتزج المسح المكثف بـ «التركيب الفلسفي»، منتجاً مفاهيم تتعلق بالمجال الحيوي، مناطق النفوذ، تقسيم العالم، خطوط التماس ونطاقات تصادم القوى. لكن، وعلى غرار سؤال ترتوليان الشهير، «ما الذي يربط أثينا بالقدس؟»، ما الذي يربط كييف بدمشق؟
الإجابة الروسية المختزلة عن هذا السؤال تقول إن كلتا الأزمتين، الأوكرانية والسورية، تمت «فبركتهما»، في بعض معامل صناعة الثورات، بهدف تفكيك «الحضارة الروسية» لا غير.
بتوسع أكبر، تتشكل الأطروحة الروسية من رواية بشقين. الأول، يتعلق بسورية، فيذهب الى أن مسعى الغرب لسحب البساط من تحت أقدام روسيا هناك سيجعل ظهر الجنوب الروسي منكشفاً أمام مد «الراديكاليات الإسلامية» التي تخوض روسيا ضدها حرباً ضروساً في الجنوب. الشق الثاني يقول إن المشروع الغربي في اوكرانيا لا يهدف فقط الى إلحاق اوكرانيا بالاتحاد الأوروبي، بل يهدف، ايضاً، الى ادخالها في حلف شمال الأطلسي. وهذا سيشكل تهديداً وجودياً لروسيا. فكييف ليست عاصمة اوكرانيا فحسب، بل هي مهد «الحضارة الروسية» نفسها. كلتا الأزمتين، إذاً، تنتميان الى النوع ذاته من التهديد لكن مع اختلاف في الدرجة.
لا يعتقد الروس أن أطروحتهم تنبع من الفراغ أو أنها ضرب من هلوسة. فـ «الجغرافيا السياسية» الغربية، على تعدد مدارسها وتناقضاتها، كانت قد رسمت، فعلاً، استراتيجيات تعمل على «احتواء» روسيا منذ زمن طويل. تحيلنا الإجابة الروسية على التراث الفكري لـ «الجغرافيا السياسية» الغربية بدءاً بهارولد ماكيندر مروراً بسبيكمان وفوكوياما وهنتنغتون وجورج كينان وليس انتهاءً بكيسنجر وبريجنسكي.
فلقد بنى هارولد ماكيندر، أحد الآباء المؤسسين للجغرافيا السياسية الحديثة، أطروحته الشهيرة «المحور الجغرافي للتاريخ» على فكرة أن «من يحكم اوروبا الشرقية يسيطر على قلب العالم، ومن يحكم قلب العالم يسيطر على جزيرة العالم، ومن يسيطر على جزيرة العالم يحكم العالم». و»المحور الجغرافي»، أو «قلب العالم»، هنا، هو روسيا. لكن ماكيندر ربط قدرة روسيا على السيطرة على العالم بامتلاكها كلاً من التنظيم المتطور والتكنولوجيا. فشل الاتحاد السوفياتي في تحقيق هذا الهدف الكبير، على رغم سيطرته على اوروبا الشرقية، أثناء الحرب الباردة، عُزي الى افتقاره الى تلك المستلزمات. أما نيكولاس سبيكمان، عراب سياسة «الاحتواء» الأميركية، فأعاد تنقيح اطروحة ماكيندر بطريقة استبدل فيها اوروبا الشرقية بـ «الأراضي المحيطة»، أو الحافة»، وهما، هنا، دول الشاطئ الأوروبي والشرق الأوسط، ثم «آسيا المدارية». وخرج سبايكمان بمقولة إن من يحكم «حافة الأرض» يحكم اوراسيا، ومن يحكم اوراسيا يتحكم بمصير العالم». وفي الخمسينات اعتمد جون فوستر دلاس، الذي ارتبط باسمه تأسيس «حلف الناتو» ووزير الخارجية الأميركي وشقيق مدير وكالة السي آي ايه، أطروحات سبايكمان وماكيندر، تماماً كما فعل كيسنجر في ديبلوماسية «البنغ بونغ». أما بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأسبق، فأعاد، في كتابه الذائع الصيت «لعبة الشطرنج الكبرى»، طرح افكار ماكيندر وسبايكمان من جديد. على ضفة النقاش الأخرى، يستحضر الأميركيون مشروع بوتين لبناء «اتحاد جمركي اوراسي» للتأكيد على النيات الإمبراطورية لروسيا، كما يستحضرون أطروحات الكسندر دوغين، القريب من المؤسسة العسكرية والأب الروحي لـ «الحزب الأوراسي» وصديق بريماكوف وبوتين المقرب، الأطروحات التي تنبني على فكرة بناء محور موسكو - برلين، وربما باريس، والتحالف مع العرب و إيران في مواجهة المد الليبرالي والهيمنة الأميركية، والدعوة الى ضم مناطق القرم وشرق اوكرانيا الى روسيا.
بدأت الأزمتان، الأوكرانية والسورية، بفضل عوامل داخلية صرفة، لكنهما تطورتا باتجاه امتلاكهما بُعداً جيوسياسياً دولياً. والمثل يقول: عندما تتصارع الفيلة فالعشب هو الذي يُداس.
* كاتب فلسطيني
أسامة مصالحة
Print A+a- كييف مقابل دمشق؟
النسخة: الورقية - دولي الخميس، ٢٧ فبراير/ شباط ٢٠١٤ (٠٠:٠ - بتوقيت غرينتش)
تُعيد الأزمتان، الأوكرانية والسورية، أطروحات»الجغرافيا السياسية»، أو «الجيوبوليتيكا»، الى واجهة الأحداث. ففي الأزمات الكبرى، تحديداً، تتكشف «الجغرافيا السياسية» عن إغراء ما. فهي تخفي أكثر مما تبدي، وتصمت أكثر مما تقول. ذلك أن أطروحاتها كانت دائماً ما تُطبخ داخل دوائر اكاديمية وأمنية مغلقة يكتنفها الغموض وتلف بها الأسرار.
في هذه الأطروحات، تختلط الخرائط بسياسات الهوية بأنابيب النفط بتصورات خاصة عن القدر الحضاري. وفيها، على ما كان هالفورد ماكيندر يقول، يمتزج المسح المكثف بـ «التركيب الفلسفي»، منتجاً مفاهيم تتعلق بالمجال الحيوي، مناطق النفوذ، تقسيم العالم، خطوط التماس ونطاقات تصادم القوى. لكن، وعلى غرار سؤال ترتوليان الشهير، «ما الذي يربط أثينا بالقدس؟»، ما الذي يربط كييف بدمشق؟
الإجابة الروسية المختزلة عن هذا السؤال تقول إن كلتا الأزمتين، الأوكرانية والسورية، تمت «فبركتهما»، في بعض معامل صناعة الثورات، بهدف تفكيك «الحضارة الروسية» لا غير.
بتوسع أكبر، تتشكل الأطروحة الروسية من رواية بشقين. الأول، يتعلق بسورية، فيذهب الى أن مسعى الغرب لسحب البساط من تحت أقدام روسيا هناك سيجعل ظهر الجنوب الروسي منكشفاً أمام مد «الراديكاليات الإسلامية» التي تخوض روسيا ضدها حرباً ضروساً في الجنوب. الشق الثاني يقول إن المشروع الغربي في اوكرانيا لا يهدف فقط الى إلحاق اوكرانيا بالاتحاد الأوروبي، بل يهدف، ايضاً، الى ادخالها في حلف شمال الأطلسي. وهذا سيشكل تهديداً وجودياً لروسيا. فكييف ليست عاصمة اوكرانيا فحسب، بل هي مهد «الحضارة الروسية» نفسها. كلتا الأزمتين، إذاً، تنتميان الى النوع ذاته من التهديد لكن مع اختلاف في الدرجة.
لا يعتقد الروس أن أطروحتهم تنبع من الفراغ أو أنها ضرب من هلوسة. فـ «الجغرافيا السياسية» الغربية، على تعدد مدارسها وتناقضاتها، كانت قد رسمت، فعلاً، استراتيجيات تعمل على «احتواء» روسيا منذ زمن طويل. تحيلنا الإجابة الروسية على التراث الفكري لـ «الجغرافيا السياسية» الغربية بدءاً بهارولد ماكيندر مروراً بسبيكمان وفوكوياما وهنتنغتون وجورج كينان وليس انتهاءً بكيسنجر وبريجنسكي.
فلقد بنى هارولد ماكيندر، أحد الآباء المؤسسين للجغرافيا السياسية الحديثة، أطروحته الشهيرة «المحور الجغرافي للتاريخ» على فكرة أن «من يحكم اوروبا الشرقية يسيطر على قلب العالم، ومن يحكم قلب العالم يسيطر على جزيرة العالم، ومن يسيطر على جزيرة العالم يحكم العالم». و»المحور الجغرافي»، أو «قلب العالم»، هنا، هو روسيا. لكن ماكيندر ربط قدرة روسيا على السيطرة على العالم بامتلاكها كلاً من التنظيم المتطور والتكنولوجيا. فشل الاتحاد السوفياتي في تحقيق هذا الهدف الكبير، على رغم سيطرته على اوروبا الشرقية، أثناء الحرب الباردة، عُزي الى افتقاره الى تلك المستلزمات. أما نيكولاس سبيكمان، عراب سياسة «الاحتواء» الأميركية، فأعاد تنقيح اطروحة ماكيندر بطريقة استبدل فيها اوروبا الشرقية بـ «الأراضي المحيطة»، أو الحافة»، وهما، هنا، دول الشاطئ الأوروبي والشرق الأوسط، ثم «آسيا المدارية». وخرج سبايكمان بمقولة إن من يحكم «حافة الأرض» يحكم اوراسيا، ومن يحكم اوراسيا يتحكم بمصير العالم». وفي الخمسينات اعتمد جون فوستر دلاس، الذي ارتبط باسمه تأسيس «حلف الناتو» ووزير الخارجية الأميركي وشقيق مدير وكالة السي آي ايه، أطروحات سبايكمان وماكيندر، تماماً كما فعل كيسنجر في ديبلوماسية «البنغ بونغ». أما بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأسبق، فأعاد، في كتابه الذائع الصيت «لعبة الشطرنج الكبرى»، طرح افكار ماكيندر وسبايكمان من جديد. على ضفة النقاش الأخرى، يستحضر الأميركيون مشروع بوتين لبناء «اتحاد جمركي اوراسي» للتأكيد على النيات الإمبراطورية لروسيا، كما يستحضرون أطروحات الكسندر دوغين، القريب من المؤسسة العسكرية والأب الروحي لـ «الحزب الأوراسي» وصديق بريماكوف وبوتين المقرب، الأطروحات التي تنبني على فكرة بناء محور موسكو - برلين، وربما باريس، والتحالف مع العرب و إيران في مواجهة المد الليبرالي والهيمنة الأميركية، والدعوة الى ضم مناطق القرم وشرق اوكرانيا الى روسيا.
بدأت الأزمتان، الأوكرانية والسورية، بفضل عوامل داخلية صرفة، لكنهما تطورتا باتجاه امتلاكهما بُعداً جيوسياسياً دولياً. والمثل يقول: عندما تتصارع الفيلة فالعشب هو الذي يُداس.
* كاتب فلسطيني
الجمعة يونيو 07, 2019 5:08 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» سمعت صوت البارود محمد العراني 2018 اغاني قناة ليالي الضفتين
الجمعة يونيو 07, 2019 4:43 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» مرحا لمدرعاتنا عمر العبداللات omar alabdallat اغاني قناة ليالي الضفتين
الجمعة يونيو 07, 2019 1:47 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» طلت فرسان بلادي برصاص ونار - فرسان الليل شاهد اغاني قناة ليالي الضفتين
الجمعة يونيو 07, 2019 1:32 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» فؤاد غازي لزرعلك بستان ورود شاهد اغاني قناة ليالي الضفتين
الجمعة يونيو 07, 2019 1:24 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» فارس عوض - عمان شاهد اغاني قناة قلب على ضفتين
الجمعة يونيو 07, 2019 1:10 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» لو بتحب حقيقي صحيح - هاني شاكر شاهد اغاني قناة ليالي الضفتين
الجمعة يونيو 07, 2019 12:52 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» أنا قلبي إليك ميال - فايزة أحمد شاهد اغاني قناة ليالي الضفتين
الخميس يونيو 06, 2019 11:50 am من طرف عازف الاوتار الذهبية
» وديع الصافي - على الله تعود (نسخة صافية) شاهد اغاني قناة ليالي الضفتين
الخميس يونيو 06, 2019 6:45 am من طرف عازف الاوتار الذهبية